نسبه الشريف رضي الله عنه
هو شيخ الطريقة، القطب المكتوم والختم المحمدي المعلوم الشريف العفيف أبو العباس سيدي أحمد بن الولي الشهير والعالم الكبير الأمام القدوة النبوي الأتباع، أبى عبدا لله، سيدي محمد، الملقب بابن عمر لشدته في دينه، بن المختار بن أحمد بن محمد بن سالم بن أبى العبد بن سالم بن أحمد الملقب "بالعلواني" بن أحمد بن على بن عبدا لله بن العباس بن عبدالجبار بن إدريس بن اسحق بن على زين العابدين بن احمد بن محمد النفس الزكية بن عبدالله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه، من سيدتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها بنت سيد الوجود وقبلة الشهود سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. (نقلا عن الإفادة الأحمدية).
النشأة والدراسة في بيئة مفعمة بالورع والصلاح
ولد سيدي أحمد بن محمد التجاني عام 1737 ميلادية الموافق 1150هجرية بقرية عين ماضي مقر أسلافه المتأخرين. إذ انتقل جده الرابع، سيدي محمد ابن سالم، مع أسرته، من أحواز مدينة أسفي بالمغرب الأقصى إلى بني توجين أو تيجانه، وتزوج منهم وصار أولاده وأحفاده يعرفون بالتجانيين. فهم أخواله رضي الله عنه، غلبت إليه النسبة إليهم. أما نسبه الحقيقي فيرتفع إلى سيدي محمد النفس الركية بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب.
وكانت بلدة عين ماضي على قدر كبير من الأهمية العلمية، ذات بيئة مفعمة بالعلم والورع باعتبارها مركزا للمعرفة والولاية والصلاح منذ تأسيسها. وكان جل أفراد أسرة شيخنا، الذين يشكلون إحدى مكونات هذه البلدة العلمية، على مستوى رفيع من علمي الظاهر والباطن. وكان آباؤه وأجداده رضي الله عنهم من خيرة العلماء ولهم قدم راسخ في الولاية كجديه سيدي العلامة أحمد بن محمد، و سيدي الشيخ الولي المكين محمد بن سالم, الذي وفد أولا إلى عين ماضي واتخذها موطنا وتزوج من أهلها. وكان أبوه عالما ورعا متبعا للسنة مدرسا ذاكرا متعلقا بالله ولا تأخذه فيه لومة لائم. وكان له بيت في داره، لا يدخله أحد إلا لذكر الله.
نشأ، رضي الله عنه، بين أبويه الصالحين نشأة صالحة يؤدبانه ويلقنانه ويربيانه تربية أمثالهما من أهل البصائر. وكان حيثما يتحرك سيدي أحمد التجاني داخل هذه البلدة يجد نفسه بين أهل العلم والمعرفة وفي رعاية الفقهاء والصلحاء. وإذا خرج إلى المسجد والزاوية صار في رحاب أساتذة وعلماء مجندين لتلقين تلامذتهم ما يفيد ويقرب إلى الله من العلوم الإسلامية. فتربى سيدي أحمد التجاني في عفاف وصيانة وتقي وديانة، أبى النفس عالي الهمة زكى الأخلاق محروسا بالعناية محفوفا بالرعاية. فكان رضي الله عنه لا يعرف ما الناس فيه من العوائد وما نشؤوا عليه من الزوائد. وكان رضي الله عنه ماضي العزم شديد الحزم في أموره كلها.وكان إذا ابتدأ شيئا لا يرجع عنه. وما شرع في أمر قط إلا أتمه. تجنح همته إلى معالي الأمور ولا يرضى بسفسافها.
في ظل هذه الرعاية النموذجية وفى أحضان هذه الأسرة المحبة للعلم والصلاح نشأ سيدي أحمد التجاني كريم الأخلاق مقبلا على الجد والاجتهاد متمسكا بالدين وسنة المهتدين معظما عند الخاصة والعامة. وفى ظل هذه الظروف المطبوعة بالعناية المتميزة حفظ القرآن حفظا جيدا وهو أبن سبع سنوات، من رواية الأمام ورش تلميذ الأمام نافع، على يد الفقيه العلامة المقرئ سيدي محمد بن حمو التجاني الماضوى الذي تتلمذ بدوره في حفظ القرآن وقراءته على شيخه العارف بالله سيدي عيسى بوعكاز الماضوى التجاني. وكان رجلا صالحا مشهورا بالولاية. وبعد ألبث، القرآن اشتغل سيدي أحمد التجاني بطلب العلوم الأصولية والفروعية والأدبية حتى رأس فيها وأدرك أسرار معانيها, يستوي عنده في اهتمامه المنقول والمعقول. واستمر في طلب العلم ببلاده حتى بلغ مرتبة أهلته للتدريس والإفتاء قبل أن يرحل رحلته الأولى إلى فاس. ثم ما لبث ، وهو في عين ماضي، أن مال إلى الزهد والانعزال والتأمل، وحبب إليه التعبد وقيام الليل حتى إذا بلغ سن الرشد زوجه والده من غير تراخ اعتناء بشأنه وحفظا وصونا لأمره، ومراعاة للسنة. وصار، رضي الله عنه، يدل على الله وينصح عباده وينصر سنة رسوله ويحيى أمور الدين وقلوب المؤمنين، وصار يضرب المثل به وبداره في إحياء السنة وأتباع المحجة البيضاء والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وحق له أن يسمى محيى الدين ومجدد ما أندرس واضمحل من إيمان المسلمين.
ولعل هذه المؤهلات هي التي جعلت سكان بلدة عين ماضي يوافقون بالإجماع على خلافة والده في رئاسة الزاوية رغم صغر سنه الذي كان يبلغ آنذاك ستة عشرة سنة. وهى المهمة التي مارس خلالها لمدة خمس سنوات تدريس القرآن والسنة وعلوم إسلامية أخرى.
رحلته الأولى إلى فاس، رضي الله عنه، وخروجه إلى الصحراء
لم يكتف سيدي احمد التجاني بالرصيد الفقهي والصوفي الذي حصل عليه بمسقط رأسه في المغرب الأوسط، فشد الرحال إلى مدينة فاس سنة 1758م الموافق 1171هجرية. وفاس هي المدينة الإدريسية ذات الأهمية العلمية والقداسة والرمز التاريخي والشحنة الروحية القوية. غادر سيدي أحمد التجاني عين ماضي، في أول رحلة له إلى مدينة فاس وهو في بداية عقده الثالث. وخلال المدة التي قضاها بها كان يحضر مجالس العلم ويحاور ويساجل كبار علماءها. إلا أن اهتمامه كان يبدو منصبا على الجانب الروحي أكثر من أي شيء آخر، يشهد على ذلك نوعية الأشخاص الذين التقي بهم وشد الرحال إليهم داخل المدينة وخارجها:
1. التقى في مدينة وزان بالعارف بالله الولي الكبير مولانا الطيب بن سيدي محمد بن مولاي عبدعنه.بن إبراهيم اليملحي، العلمي الوزاني، القائم آنذاك بأمور الطريقة بالزاوية الوزانية، خلفا لأخيه الشيخ مولانا التهامي الوزاني. وقد كان مولانا الطيب رضي الله عنه ذائع الصيت، تشد إليه الرحال. أذن له مولاي الطيب في تلقين ورده لكن امتنع سيدي أحمد التجاني لاشتغاله بنفسه رضي الله عنه .
2. وفي جبل الزبيب ببني وانجل، تعرف على العارف بالله سيدي محمد بن الحسن الوانجلي. قال لسيدي أحمد التجاني، لما ورد عليه وقبل أن يكلمه، أنك ستدرك مقام القطب الكبير أبي الحسن الشاذلي، وأشار إليه بالرجوع إلى بلده. واكتفى سيدي أحمد التجاني بالتبرك به دون الأخذ عنه.
3. التقى بمدينة فاس الولي الصالح سيدي عبدالله بن سيدي العربي بن أحمد بن محمد المعني الأندلسي من أولاد معن، وتكلم معه في عدة أمور ودعا له ثلاثا بأن يأخذ الله بيده.
4. أخذ الطريقة الناصرية على الولي الصالح أبى عبدالله سيدي محمد بن عبدالله التزانى، ثم تركها بعد حين.
5. أخذ الطريقة، الصديقيه المنسوبة للقطب الشهير آبي العباس سيدي أحمد الحبيب بن محمد الملقب بالغمارى السجلماسي الصديقي، على يد من له الإذن فيها، ثم تركها بعد حين.
6. أخذ عن الولي الصالح الملامتي سيدي أحمد الطواش، نزيل تازة. فلقنه اسما وطلب منه لزوم الخلوة والوحدة مع الذكر والصبر حتى يفتح الله عليه، وأخبره بأنه سينال مقاما عظيما، فلم يساعده سيدنا على ذلك. فطلب منه أن يذكره من غير خلوة، فذكره سيدي أحمد التجاني مدة يسيرة ثم تركها.
7. أخذ الطريقة القادرية بفاس ممن كان له الإذن في ذلك، إلا أن سيدي أحمد التجاني ما لبث أن تخلى عنها.
هذه باختصار شديد هي حصيلة اللقاءات والاتصالات التي أجراها سيدي أحمد التجاني خلال رحلاته المذكورة إلى فاس ونواحيها في المجالين العلمي والروحي قبل العودة إلى الصحراء.
انتقل سيدي أحمد التجاني إلى بلد الأبيض في ناحية الصحراء حيث زاوية الشيخ الصديقي الشهير سيدي عبد القادر بن محمد الأبيض المعروف بسيدي الشيخ. فاختارها منزلا وقرارا وانقطع فيها للعبادة والتدريس والإفادة لمدة خمس سنوات، من أوائل سنة 1181 هجرية. جرد نفسه فيها من العلائق وقطعها عن العوائق وجمع نفسه على الذكر وإعمال الفكر حتى لاحت عليه مبادئ الفتح وبوار قه. وكانت تأتيه الوفود للزيارة والأخذ عنه، فكان يمتنع عن ذلك كل الامتناع ويقول كلنا واحد في الانتفاع، فلا فضل لأحد على الآخر في دعوة المشيخة إلا سوء الابتداع. وقد زار خلال هذه المدة بلدة عين ماضي مسقط رأسه ودار آبائه وأجداده.
حجه, رضى الله عنه، وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم
ومن زاوية الشيخ بالصحراء ارتحل سيدي أحمد التجاني إلى تلمسان، مدينة الجدار، ثم غادرها عام 1772 ميلادية الموافق 1186 هجرية، قاصدا زيارة بيت الله الحرام وقبر نبيه عليه الصلاة السلام. فلما وصل إلى بلاد زواوة، أو ازواوى، سمع بالشيخ الأمام سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري، ذا الصيت الواسع. فزاره وأخذ عنه الطريقة الخلوتية. ولما وصل تونس، في نفس السنة، لقي بعض الأولياء بها، منهم الولي الشهير سيدي عبد الصمد الرحوي. وقد أخبره شيخ هذا الولي، من خلال رسول خاص، بأنه محبوب. مكث سيدي أحمد التجاني سنة، ما بين مدينة تونس العاصمة ومدينة سوسة، فأفتى بها وأجاب على كثير من الأسئلة، ودرس عدة علوم وكتب، في مقدمتها كتاب الحكم. فذاع صيته وبلغ خبره إلى أمير البلاد. فطلب منه الإقامة بالديار التونسية للتدريس والإفادة من علومه، وأعطاه دارا وخصص له أجرة مهمة للعمل. غير أن سيدي أحمد التجاني، الذي كان وجدانه مشدودا إلى ما هو أطهر وأسمى، لما جاءه كتاب الأمير أمسكه وسكت وتهيأ من الغد للسفر بحرا لمصر. وبمجرد وصوله إلى مصر القاهرة، بحرا، التقى بشيخها الأكبر، في ذلك الوقت، سيدي محمد الكردي المصري دارا وقرارا العراقي أصلا ومنشأ، وجرت بينهما مذاكرات. فسأله الشيخ الكردي، بعد أيام، عن مطلبه، فأجابه سيدي أحمد التجاني بأن مطلبه هو الحصول على القطبانية العظمى. فقال له لك أكثر منها." اهـ.
هو شيخ الطريقة، القطب المكتوم والختم المحمدي المعلوم الشريف العفيف أبو العباس سيدي أحمد بن الولي الشهير والعالم الكبير الأمام القدوة النبوي الأتباع، أبى عبدا لله، سيدي محمد، الملقب بابن عمر لشدته في دينه، بن المختار بن أحمد بن محمد بن سالم بن أبى العبد بن سالم بن أحمد الملقب "بالعلواني" بن أحمد بن على بن عبدا لله بن العباس بن عبدالجبار بن إدريس بن اسحق بن على زين العابدين بن احمد بن محمد النفس الزكية بن عبدالله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه، من سيدتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها بنت سيد الوجود وقبلة الشهود سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. (نقلا عن الإفادة الأحمدية).
النشأة والدراسة في بيئة مفعمة بالورع والصلاح
ولد سيدي أحمد بن محمد التجاني عام 1737 ميلادية الموافق 1150هجرية بقرية عين ماضي مقر أسلافه المتأخرين. إذ انتقل جده الرابع، سيدي محمد ابن سالم، مع أسرته، من أحواز مدينة أسفي بالمغرب الأقصى إلى بني توجين أو تيجانه، وتزوج منهم وصار أولاده وأحفاده يعرفون بالتجانيين. فهم أخواله رضي الله عنه، غلبت إليه النسبة إليهم. أما نسبه الحقيقي فيرتفع إلى سيدي محمد النفس الركية بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب.
وكانت بلدة عين ماضي على قدر كبير من الأهمية العلمية، ذات بيئة مفعمة بالعلم والورع باعتبارها مركزا للمعرفة والولاية والصلاح منذ تأسيسها. وكان جل أفراد أسرة شيخنا، الذين يشكلون إحدى مكونات هذه البلدة العلمية، على مستوى رفيع من علمي الظاهر والباطن. وكان آباؤه وأجداده رضي الله عنهم من خيرة العلماء ولهم قدم راسخ في الولاية كجديه سيدي العلامة أحمد بن محمد، و سيدي الشيخ الولي المكين محمد بن سالم, الذي وفد أولا إلى عين ماضي واتخذها موطنا وتزوج من أهلها. وكان أبوه عالما ورعا متبعا للسنة مدرسا ذاكرا متعلقا بالله ولا تأخذه فيه لومة لائم. وكان له بيت في داره، لا يدخله أحد إلا لذكر الله.
نشأ، رضي الله عنه، بين أبويه الصالحين نشأة صالحة يؤدبانه ويلقنانه ويربيانه تربية أمثالهما من أهل البصائر. وكان حيثما يتحرك سيدي أحمد التجاني داخل هذه البلدة يجد نفسه بين أهل العلم والمعرفة وفي رعاية الفقهاء والصلحاء. وإذا خرج إلى المسجد والزاوية صار في رحاب أساتذة وعلماء مجندين لتلقين تلامذتهم ما يفيد ويقرب إلى الله من العلوم الإسلامية. فتربى سيدي أحمد التجاني في عفاف وصيانة وتقي وديانة، أبى النفس عالي الهمة زكى الأخلاق محروسا بالعناية محفوفا بالرعاية. فكان رضي الله عنه لا يعرف ما الناس فيه من العوائد وما نشؤوا عليه من الزوائد. وكان رضي الله عنه ماضي العزم شديد الحزم في أموره كلها.وكان إذا ابتدأ شيئا لا يرجع عنه. وما شرع في أمر قط إلا أتمه. تجنح همته إلى معالي الأمور ولا يرضى بسفسافها.
في ظل هذه الرعاية النموذجية وفى أحضان هذه الأسرة المحبة للعلم والصلاح نشأ سيدي أحمد التجاني كريم الأخلاق مقبلا على الجد والاجتهاد متمسكا بالدين وسنة المهتدين معظما عند الخاصة والعامة. وفى ظل هذه الظروف المطبوعة بالعناية المتميزة حفظ القرآن حفظا جيدا وهو أبن سبع سنوات، من رواية الأمام ورش تلميذ الأمام نافع، على يد الفقيه العلامة المقرئ سيدي محمد بن حمو التجاني الماضوى الذي تتلمذ بدوره في حفظ القرآن وقراءته على شيخه العارف بالله سيدي عيسى بوعكاز الماضوى التجاني. وكان رجلا صالحا مشهورا بالولاية. وبعد ألبث، القرآن اشتغل سيدي أحمد التجاني بطلب العلوم الأصولية والفروعية والأدبية حتى رأس فيها وأدرك أسرار معانيها, يستوي عنده في اهتمامه المنقول والمعقول. واستمر في طلب العلم ببلاده حتى بلغ مرتبة أهلته للتدريس والإفتاء قبل أن يرحل رحلته الأولى إلى فاس. ثم ما لبث ، وهو في عين ماضي، أن مال إلى الزهد والانعزال والتأمل، وحبب إليه التعبد وقيام الليل حتى إذا بلغ سن الرشد زوجه والده من غير تراخ اعتناء بشأنه وحفظا وصونا لأمره، ومراعاة للسنة. وصار، رضي الله عنه، يدل على الله وينصح عباده وينصر سنة رسوله ويحيى أمور الدين وقلوب المؤمنين، وصار يضرب المثل به وبداره في إحياء السنة وأتباع المحجة البيضاء والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وحق له أن يسمى محيى الدين ومجدد ما أندرس واضمحل من إيمان المسلمين.
ولعل هذه المؤهلات هي التي جعلت سكان بلدة عين ماضي يوافقون بالإجماع على خلافة والده في رئاسة الزاوية رغم صغر سنه الذي كان يبلغ آنذاك ستة عشرة سنة. وهى المهمة التي مارس خلالها لمدة خمس سنوات تدريس القرآن والسنة وعلوم إسلامية أخرى.
رحلته الأولى إلى فاس، رضي الله عنه، وخروجه إلى الصحراء
لم يكتف سيدي احمد التجاني بالرصيد الفقهي والصوفي الذي حصل عليه بمسقط رأسه في المغرب الأوسط، فشد الرحال إلى مدينة فاس سنة 1758م الموافق 1171هجرية. وفاس هي المدينة الإدريسية ذات الأهمية العلمية والقداسة والرمز التاريخي والشحنة الروحية القوية. غادر سيدي أحمد التجاني عين ماضي، في أول رحلة له إلى مدينة فاس وهو في بداية عقده الثالث. وخلال المدة التي قضاها بها كان يحضر مجالس العلم ويحاور ويساجل كبار علماءها. إلا أن اهتمامه كان يبدو منصبا على الجانب الروحي أكثر من أي شيء آخر، يشهد على ذلك نوعية الأشخاص الذين التقي بهم وشد الرحال إليهم داخل المدينة وخارجها:
1. التقى في مدينة وزان بالعارف بالله الولي الكبير مولانا الطيب بن سيدي محمد بن مولاي عبدعنه.بن إبراهيم اليملحي، العلمي الوزاني، القائم آنذاك بأمور الطريقة بالزاوية الوزانية، خلفا لأخيه الشيخ مولانا التهامي الوزاني. وقد كان مولانا الطيب رضي الله عنه ذائع الصيت، تشد إليه الرحال. أذن له مولاي الطيب في تلقين ورده لكن امتنع سيدي أحمد التجاني لاشتغاله بنفسه رضي الله عنه .
2. وفي جبل الزبيب ببني وانجل، تعرف على العارف بالله سيدي محمد بن الحسن الوانجلي. قال لسيدي أحمد التجاني، لما ورد عليه وقبل أن يكلمه، أنك ستدرك مقام القطب الكبير أبي الحسن الشاذلي، وأشار إليه بالرجوع إلى بلده. واكتفى سيدي أحمد التجاني بالتبرك به دون الأخذ عنه.
3. التقى بمدينة فاس الولي الصالح سيدي عبدالله بن سيدي العربي بن أحمد بن محمد المعني الأندلسي من أولاد معن، وتكلم معه في عدة أمور ودعا له ثلاثا بأن يأخذ الله بيده.
4. أخذ الطريقة الناصرية على الولي الصالح أبى عبدالله سيدي محمد بن عبدالله التزانى، ثم تركها بعد حين.
5. أخذ الطريقة، الصديقيه المنسوبة للقطب الشهير آبي العباس سيدي أحمد الحبيب بن محمد الملقب بالغمارى السجلماسي الصديقي، على يد من له الإذن فيها، ثم تركها بعد حين.
6. أخذ عن الولي الصالح الملامتي سيدي أحمد الطواش، نزيل تازة. فلقنه اسما وطلب منه لزوم الخلوة والوحدة مع الذكر والصبر حتى يفتح الله عليه، وأخبره بأنه سينال مقاما عظيما، فلم يساعده سيدنا على ذلك. فطلب منه أن يذكره من غير خلوة، فذكره سيدي أحمد التجاني مدة يسيرة ثم تركها.
7. أخذ الطريقة القادرية بفاس ممن كان له الإذن في ذلك، إلا أن سيدي أحمد التجاني ما لبث أن تخلى عنها.
هذه باختصار شديد هي حصيلة اللقاءات والاتصالات التي أجراها سيدي أحمد التجاني خلال رحلاته المذكورة إلى فاس ونواحيها في المجالين العلمي والروحي قبل العودة إلى الصحراء.
انتقل سيدي أحمد التجاني إلى بلد الأبيض في ناحية الصحراء حيث زاوية الشيخ الصديقي الشهير سيدي عبد القادر بن محمد الأبيض المعروف بسيدي الشيخ. فاختارها منزلا وقرارا وانقطع فيها للعبادة والتدريس والإفادة لمدة خمس سنوات، من أوائل سنة 1181 هجرية. جرد نفسه فيها من العلائق وقطعها عن العوائق وجمع نفسه على الذكر وإعمال الفكر حتى لاحت عليه مبادئ الفتح وبوار قه. وكانت تأتيه الوفود للزيارة والأخذ عنه، فكان يمتنع عن ذلك كل الامتناع ويقول كلنا واحد في الانتفاع، فلا فضل لأحد على الآخر في دعوة المشيخة إلا سوء الابتداع. وقد زار خلال هذه المدة بلدة عين ماضي مسقط رأسه ودار آبائه وأجداده.
حجه, رضى الله عنه، وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم
ومن زاوية الشيخ بالصحراء ارتحل سيدي أحمد التجاني إلى تلمسان، مدينة الجدار، ثم غادرها عام 1772 ميلادية الموافق 1186 هجرية، قاصدا زيارة بيت الله الحرام وقبر نبيه عليه الصلاة السلام. فلما وصل إلى بلاد زواوة، أو ازواوى، سمع بالشيخ الأمام سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري، ذا الصيت الواسع. فزاره وأخذ عنه الطريقة الخلوتية. ولما وصل تونس، في نفس السنة، لقي بعض الأولياء بها، منهم الولي الشهير سيدي عبد الصمد الرحوي. وقد أخبره شيخ هذا الولي، من خلال رسول خاص، بأنه محبوب. مكث سيدي أحمد التجاني سنة، ما بين مدينة تونس العاصمة ومدينة سوسة، فأفتى بها وأجاب على كثير من الأسئلة، ودرس عدة علوم وكتب، في مقدمتها كتاب الحكم. فذاع صيته وبلغ خبره إلى أمير البلاد. فطلب منه الإقامة بالديار التونسية للتدريس والإفادة من علومه، وأعطاه دارا وخصص له أجرة مهمة للعمل. غير أن سيدي أحمد التجاني، الذي كان وجدانه مشدودا إلى ما هو أطهر وأسمى، لما جاءه كتاب الأمير أمسكه وسكت وتهيأ من الغد للسفر بحرا لمصر. وبمجرد وصوله إلى مصر القاهرة، بحرا، التقى بشيخها الأكبر، في ذلك الوقت، سيدي محمد الكردي المصري دارا وقرارا العراقي أصلا ومنشأ، وجرت بينهما مذاكرات. فسأله الشيخ الكردي، بعد أيام، عن مطلبه، فأجابه سيدي أحمد التجاني بأن مطلبه هو الحصول على القطبانية العظمى. فقال له لك أكثر منها." اهـ.