منتدى التصوف وعلوم الحكمة والروحانيات 00212615413351 achaykh@hotmail.fr

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى التصوف وعلوم الحكمة والروحانيات 00212615413351 achaykh@hotmail.fr

منتدى يهتم بامور التصوف وعلوم الحكمة والروحانيات


    لا تخش غير الواحد الأحد

    avatar
    العيساوي


    عدد المساهمات : 3
    تاريخ التسجيل : 06/02/2014

    لا تخش غير الواحد الأحد Empty لا تخش غير الواحد الأحد

    مُساهمة  العيساوي الخميس فبراير 06, 2014 5:14 am

    يقول أبو الفتح الجعفي عفا الله عنه: أمر المولى عباده بالتوحيد، فقالوا: لا إله إلا الله، فظن منهم من ظن أن التوحيد عبادة الله وحده، فعبدوه ما استطاعوا، لكنهم سألوا غيره وتوكلوا على سواه، فأشركوا به في السؤال والتوكل، وهم يعلمون أنه سبحانه قال: "وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مومنين". وأن النبي ه قال: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف". رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح
    فتبين من ذلك أن التوحيد لا يسعه علم العقائد وحده، وإنما هو التعامل مع الله تعالى كما أراد، وإخلاص التوجه له وحده، وتخليص الرجاء والإستشراف للحي الذي لا يموت، ومراقبته في السر والعلن، والإستخفاء منه وحده، والخوف منه لا من سواه
    وقد خوف الباري عز وجل عبيده بما يخافون، حتى يردعهم عن سبيل الضلال.
    فالعبيد هم المستضعفون، والله الجبار، هم المقهورون على أمورهم وهو القهار، هم المسترسلون وهو القابض، هم المستكبرون وهو الخافض، هم المتعززون وهو المذل، هم الصاغرون وهو العظيم، هم الناكثون وهو الحسيب، هم الغافلون وهو الرقيب، هم المقصرون وهو الوكيل، هم الواهنون وهو القوي، هم المتهالكون وهو المتين، هم الطاغون وهو المحصي، هم الآملون وهو المميت، هم العاجزون وهو القادر، هم المعتدون وهو المنتقم، هم المملوكون وهو مالك الملك، هم الطامعون وهو المانع، وهم الشاكون وهو الضار
    تلك صفات الخوف تخوف عباد الرحمن، ومتى خافوا عرفوه بها، إذ لا يعرف بغيرها، ومن عرفه بغيرها لم يقدر قدره.
    وإن سألتني أيها الرفيق: كيف تعرف صفاته؟ قلت: لا تعرف بقراءة الصحف والصحائف، فدونك وعلم الأوراق، فلن تبلغ منه شيئا، وإنما تعرفها إذا أذعنت لصاحبها وسألته سؤال الراغب الملح كي يعرفك بها، ولا تنس أن تطلب اللطف مع التعريف، حتى لا تقهر فتتقهقر عنها، فإن كنت ذلك الرجل، حيث أظنك، فاقدم علينا من الباب، ولا تناد من وراء الحجرات، وإن كنت من المدعين، فلا تسأل ما لا طاقة لك به فتكون من النادمين.
    على أعتابنا يقف الفارون إلى ربهم من وهج ما صنعت أيديهم، "حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا، إن الله هو التواب الرحيم".
    على أعتابنا يقف النادمون؛ ومن ترفع عن الوقوف واستعجل الديار، فما له عندنا من أخبار حتى يدع التنطع والإصرار.
    اذهب يا زيد ولا تتربع علينا ولا زال فيك من الدنيا بقية، فما لك عندنا من مرام، اذهب يا زيد والعب النرد وعد مهاويك وأحسن العد، فوالله ما ينساك الواحد الأحد؛ حتى إذا قنعت من التموج في من يموج، ومللت غانيات المروج، وضقت ذرعا بكل ما يروج، فادلف إلى بابنا فإنه لا يوصد في وجه أحد.
    إذا أتيت وما همك سوى فضول الآتي، فإتيانك غير موات، وقد تؤتى من حيث لا تحتسب، فأبعد عن العرين حتى تلين، وإذا لم تبعد وبقيت على صلابتك كسرناك بجناح الرحمة، وإذا لم تبعد وبقيت على جهالتك حضناك حتى كدت تقضي حضينا، وإذا بقيت على غوايتك أغويناك بملامتك، وجاريناك في ضلالتك، وأجريناك ضمن من أجرينا من أهل بطانتك حتى تسلم تسليما، فإن لم تسلم لم ندعك لنفسك، بل أذقناك مما هيأ لنا المولى من كؤوس الزعاف، حتى لا يبقى لك عن التسليم مفر؛ فإذا أسلمت سلمناك لقوافل السالكين، وأركبناك الركب المتين، وأمرنا أحد الحادين يحدو، ومتى حدا وسمعته يغشاك الحنين، فتفيض عيناك، ثم ننساك حتى حين.
    أيها العابدون الله وحده، الموحدون غيره، ما لكم من الأمر شيء، "إن الامر كله لله، أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
    سأدلك أيها الرفيق على كيف تعرف صفات القهر: أسلم نفسك للقهار وارتج أن يعرفك بما طلبت، ضع الحبل على الغارب وارض بالمكاتيب مادام الله الكاتب، لا تفرح بالنعم ولا تحزن عند المصائب، اقرأ في صحف البلاء فسوف يعرضها عليك بكرة وأصيلا، وافهم ما تقول، ستلقى معاني كتبت بمداد الخوف والحرمان، بقلم قد من صولجان، وإذا خفي عنك ما تقول، فاسأل من يصول فيها ويجول، أولئك خبراء الصفات، يؤولون المعاني إذا تعلقت بالذات، ويذلون كل جبار عات، ولا ينبيك غير خبير.
    عرفنا خوفه فأمنا، وكلما زدنا معرفة كان لنا من الأمن زيادة، وما فتئ الأمن يزيد حتى صار غفلة، فأصبحنا من الغافلين، وظنناه أرادنا بما نحن عليه، فتكلمنا كلام الأمن، فاستكانت قلوب السامعين، وأصبحنا مبشرين، ولولا أن كنا من المسبحين لنسينا مع من نسي، ولكننا كنا نناجيه ونسأله بالليل هل نحن مفلحون، ولما راق الكاس وشعشعت الشمول، ولعبت الحميى بالراس، وصار المعقول غير معقول، أخذنا من الكشف نصيبا، وزاد شربنا في الكأس شيئا عجيبا، فلم ندر ما نقول؛ سكرنا بالمحبة، واستوت لدينا الدهور بمعتقة عبر العصور، تمور في الوجدان مورا، وتدور بالأكوان ألف مرة.
    نادمنا في ليالي القدر أقواما يذكرون الله بالتغني، لا يعرفون الطلب والتمني، فأمدونا في ليل بلا قمر بما عزب عن كل البشر، حتى صار علمنا بحرا بلا ساحل، تتيه فيه المراكب وينخلع من موجه قلب الراكب؛ وضج الراس بما عرف من أسرار لا حاجة لنا بها، وعرفنا أننا أمعنا في السياحة والإبحار، فندمنا على كشف الستار، واشتقنا للنظر بعد الإبصار، فتضرعنا إليه كي يحجب عنا الملكوت، وينسينا ما عرفنا من نعوت، ولجأنا إليه نسأله العافية والناس في فراشها لا هي، سائمة ساهية، فأدركنا برحمته وغمرنا برأفته، ورأى من حالنا أن سلكنا وحدنا حين غاب عنا بعض من سبقنا للطريق، وقبل توبتنا في ليلة لا تليق، فعدنا سالمين آيبين تائبين عابدين لربنا حامدين؛ ابتدأنا بالخوف حتى لا نعيد الكرة، وخوفنا أكثر من مرة، حتى أوجست النفس وانزعج الخاطر فترة بعد فترة، ثم قال: هل خفتني؟ قلت: خفتك، قال: عرفتني؟ قلت: أنت الجبار، هل أمنتني؟ كيف آمن مكرك وأنت خير الماكرين؟
    ما بال عبدك لما رجع إليك كي تلقاه بالرأفة أمته اثنتين ثم بعثته، فلما حيي اشتاق إلى موته؟ القهر منك يا قهار فتت ما تبقى من أمني، وخفف عني أحمالا وأثقل علي أحمالا، فإذا المعارف غير المعارف، وإذا الدمع في العين ذارف، ليس من حر الجوى، ولكن من هول المخاوف.
    ها أنا يا خليل فيما كتبت لي من أمور يشيب لها الولدان راض على الأحزان، لا تهمني أوصالي ما رجفت لما حل بي من أكدار، في زمن ليس مثله في الأزمان؛ الإضطرار طرق ساحة عبدك لما ألجأته إليك فدعاك، وما للعبد من يخرجه من قهرك غيرك يا قهار.
    لا إله إلا هو، عرشه على الماء، والثمانية يحملون العرش ومن حوله، هم عند ربك أدرى من غيرهم بجبروته، وإلا فما استغفارهم للمومنين؟ لا إله إلا هو، ما اتخذ من صاحبة ولا ولد، المهيمن أحاط بسرائر ما خلق، ما خلقهم عبثا، أحسن صنع كل شيء وكل شيء أنزله بمقدار، لا مفر من الله إلا إليه، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
    ترى تنساني فيما صنعت يدي، بعدما صنعتني في عجل؟ ترى تدركني يا وكيل إذا تهت ولم أدر ما العمل؟
    من لي غيرك يا مولاي إذا دارت بي دوائر لا منجي منها متى دارت سواك؟ ألا يكفيك أني عرفت معاني الخوف حتى تعيده علي؟ متى تعفيني يا عفو وتردني إلى شيء من أمني؟ متى تصفح عن عبدك فإن عقابه لا يغني؟ ما حاجتك لتخويفي سوى أن تتعرف إلي وقد عرفتك فما فتئت لا أخاف؟
    سأرش بالخوف ما أبلغ من رسالات للآمنين، وأوحدك كما تشاء، وأجمع على وحدتك المشركين، وأحكي جبروتك لكل ختال كفور، وأتغنى بما انتابني في ساعات الجهد والأهوال، من مخاوف، في تيه ودلال
    بما عزفت الأملاك على أوتار القربى، لما طالعتها على حين غرة في عرفات بات فيها الحجيج، جذبنا على أنغامها جذبا، وبما ألهب الشوق وزاد الأجيج من روائع من ذي الجلال، أذهلت رائعات الملائك أولي أجنحة تحوم بالبيت، في عرض بحار راكدات لا تهيج؛ بواحد تجلى للعاشقين، كل على هواه، في سماء ما لها من فروج، بما زارني في ظلمة أضاءت ما استتر من دياجير غياباتي وأضحى يروج، بما سقت وساقني من حيث لا أدري إلى عالم عز منه الخروج، عجزت عن حمد من أولاني بما أولى به من ساروا في صفاء، لا يهمهم من علا الران ما شيد على رمال، سرعان ما يتهاوى ما حق الحق من بروج
    أنواع الخوف:
    الأول: خوف عاملون راكعون ساجدون، يتقون بابتتالهم وامتثالهم حر جهنم، دفعهم خوفهم منها إلى القيام بأمر الله والوقوف عند نهيه، يخشعون ويبكون خوفا من أن يردوها، وقد قرؤوا وسمعوا عنها ما يدفعهم للخوف وأخذ الحذر، أولئك خوف النار، أمرهم الله بالخوف فعملوا بأمره، وفهموا ما يقتضيه الخوف، فأطاعوا السيد كي لا يعذبهم، فيسلموا وينجوا من لفحها
    لله يا الكاويات، لهيبها شاعل فى احداقي، مالو من راقي. حروق شاوية على وجوه الحسان، والغيد نارها فى الجيد، زينها قبحو فى العيان، عاد فريد. قيود فى معاصم، مدى لبست من سوار، صوابع عزفت عالاوتار، ما عادت باهية، زينها طار، خوف ؤ روايع، صروف ؤ صراخ ولا احد سامع، ملوك سيفها بتار، تقمع خلايق بمقامع النار، ما فيهم رحمه ولا يشفقوا على بشار، ما يسخاوا بعذاب من خفت موازنو، ليل ولا نهار، سوى ياذن بالرحمة مولاي، الوحيد القهار
    عنيتك يا الكاديات، يوم مالو ثاني
    نار واكدة شرارها فى اعلالي
    قومان تصيح فى ازوابي وتعاني
    وثاقها سلاسل وغلالي
    ترى زادي يرجح فى الميزان؟

    ومالك آمالك على باب الاهوال
    وضعك المولى فى اعوافي
    حارس شرار على باب الدار
    ما تصفح ولا تعافي
    بالقدرة ما تمسك نيران؟

    خوفي من يوم الحر لا نخيب
    نصلى فى شر اعمالي
    نار شاعلة ولهيب
    لا صديق ولا قريب يوالي
    ولا حد بان من الاخوان

    والني والني يا الخافي لا تنساني
    انت لي بريتيني فى اعجالة
    ما ضرك ما سويت وانا جاني
    فوت عذابي لا تواخذني بزلاله
    علاه ما انت رحمن؟

    لا تجدهم إلا سائلين عما يرضي الله عز وجل ليفعلوه، وعما يغضبه ليجتنبوه، هم في حالة استنفار، ومتى أذنبوا أكثروا من الإستغفار، حازوا الورع والتقوى، رضي الله عنهم ورضوا عنه.
    لهم نصيب من الخشوع، متى قرأوا في صلاتهم بآي الترهيب بكوا وطلبو النجاة، ومتى قرأوا بآي الترغيب استبشروا وطلبو الفوز والفلاح.
    ذلك مبلغ علمهم، منهم من لا يزيد عن حاله مهما علمته، إذ قصر فهمه عن إدراك ما هو أسمى من ذلك.
    يعمرون مساجد الله تعالى، وينصرون دينه، لا حرج عليهم، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين.
    الثاني: خوف خافوا الله ليس لناره فحسب، بل لمعرفتهم بصفاته، حذروا الملامة والأذية منه في الدنيا والآخرة، بما علموا أن الله تعالى قد يعجل العقاب في الدنية قبل الآتية، فسلكوا سبيل السلامة حتى لا يصيبهم الله تعالى بمكروه، فكانوا أرقى منزلة من خوف النار، إذ لم يقفوا على آيات الوعد والوعيد وحدها، بل وقفوا حتى عند ظهور الحق بالقوة والجبروت، فجمعوا بذاك بين الحسنيين ووفقوا بين الأمرين، فكانوا أقرب إلى ربهم وأعرف به من الطائفة الأولى.
    وهؤلاء يتذاكرون في الله وفي الآخرة، وقد تجد في مجالسهم قسطا من المعرفة، لا تجده في مجالس الصنف الأول من الخوف، أولئك يدخلون في سلك العارفين.
    الثالث: خوف أمعنوا في معرفته بتوفيق منه تعالى، إما بملازمة شيوخ الطريق، وإما بما أمد الله قلوبهم من أمداد المعارف، فغلبت محبته سبحانه على عوالمهم وكلفوا بذكر الحبيب، حتى لم يبق في قلوبهم لغيره نصيب، أحبهم المولى فأحبتهم الأكوان، ونشر لهم بساط المحبة والوداد بين العباد، لا يكاد أحد يراهم إلا أحبهم، ولا يبغضهم سوى من حرمه الله تعالى سكينة الإيمان، لا يراعون لمن آذاهم ولم يوقر حرماتهم، إذ هم عن الناس بالله؛ لا تسع قلوبهم نشوة القربى، ولا تتحمل أبدانهم غمرة الفرح التي أورثوها بفضل الله ومنته، تراهم لا يفترون عن ذكر الجليل أينما حلوا وارتحلوا، لا يغيب عنهم الباري عز وجل طرفة عين، تنعموا قبل النعيم في أرض البلاء، دون الناس أجمعين، لا يستشرفون الجنة استشراف الناس لها، ويخافون النار أشد من خوف الناس منها.
    ما زادت معرفتهم بعظمة الله تعالى وجبروته إلا ازدادوا ذلا وخضوعا، واقفون على الأعراف، تعرفهم بسيماهم بين نار الخوف وجنة الرجاء، لا يأمنون مكر الله تعالى، ولا يقنطون من رحمته؛ من صفاتهم:
    - لا يتكلمون إلا قليلا، وإذا تكلموا أصابوا شغاف القلوب، وأذابوا من الصلد ما لا يذوب، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.
    - يحقرون أعمالهم مهما ربت، ويخافون ألا يخلصوا فيها لله تعالى، فيردها عليهم، ويكتمون حسناتهم كما يكتمون سيئاتهم.
    - لا يرون لأنفسهم فضلا على الناس، بل يوقرون خلق الله عز وجل، ويخدمونهم ويدعون لهم بالهداية والخير
    - حلماء يغفرون لمن آذاهم، ويدعون الله تعالى له بالهداية.
    - زينهم بأنواره وأضفى عليهم وقار الملوك رغم ذلهم له، فعزوا مهما كان شأنهم بين الناس، فلا الجاه يرفعهم، ولا المال يطغيهم، ولا النسيان يغمرهم، ولا الفقر يسخطهم.
    - راضون بما صرفهم المولى فيه، وبما صرف المولى عليهم؛ لا يضجرون ولا يغضبون ولا ينتصرون، بل تركوا الأمر لله يفعل ما يريد.
    - أعطوا لكل ذي حق حقه، ولم يلحوا في طلب حقوقهم مهما سلبت، إذ هم بالمولى في عز وغنى وبالمعطي في قناعة ورضا.
    من جالسهم غفر له، متى ضام انفرج، ومتى أظلم انبلج، ومتى ابتأس ابتهج، ومتى انحرف انتهج
    هم مصابيح الأمة، يستقون من مشكاة النور، لا يخبو نورهم، ولا ينتهي حبورهم، ولا تفرغ من القاصدين دورهم.
    - لا يضيقون ذرعا بسائل أو بضيف، ولا يردون الآتي في مشتاة أو في صيف
    يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى:
    إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، قلوبهم محزونة وسرائرهم مأمونة، حوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة، صبروا أياما قصارا لعقب راحة طويلة؛ أما الليل فصافون أقدامهم، تسيل دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى ربهم: ربنا، ربنا، وأما النهار فحكماء علماء أتقياء، كأنهم القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى، وما بالقوم من مرض، أو خولطوا، وقد خالط القوم من ذكر الآخرة أمر عظيم. انتهى
    ويقول الحكيم الترمذي رحمه الله تعالى: الأولياء هم الذين عليهم سمات ظاهرة من الله تعالى: قد علاهم بهاء القربة ونور الجلال وهيبة الكبرياء وأنس الوقار، فإذا نظر الناظر إليهم ذكر الله تعالى، لما رأى عليهم من آثار الملكوت، والقلب معدن هذه الأشياء ومستقر النور؛ فإذا كان على القلب نور سلطان الوعد والوعيد تأدى إلى الوجه ذلك النور، فإذا وقع بصرك عليه ذكرك التقوى ووقع عليك منه مهابة الصلاح والعلم بأمور الله تعالى، ومتى كان على القلب نور سلطان الحق ذكرك الصدق والحق، ووقع عليك مهابة الحق والاستقامة، وإذا كان عليه نور سلطان الله تعالى وعظمته وجلاله، ذكرك عظمته وجلاله وسلطانه، وإذا كان على القلب نوره، وهو نور الأنوار، بهتك رؤيته. انتهى من المرجع نفسه. تم ما نقلناه من السوانح
    وروى ابن خلكان عن رابعة العدوية قال: وكانت إذا جن عليها الليل قامت إلى سطح لها ثم نادت: إلهي، هدأت الأصوات وسكنت الحركات، وخلا كل حبيب بحبيبه، وقد خلوت بك أيها المحبوب، فاجعل خلوتي منك في هذه الليلة عتقي من النار. انتهى
    ولقي سفيان الثوري رابعة وكانت زرية الحال، فقال لها: يا أم عمرو، أرى حالا رثة، فلو أتيت جارك فلانا لغير بعض ما أرى؟ فقالت له: يا سفيان وما ترى من سوء حالي؟ ألست على الإسلام؟ فهو العز الذي لا ذل معه، والغنى الذي لا فقر معه، والأنس الذي لا وحشة معه، والله إني لأستحيي أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟ فقام سفيان وهو يقول: ما سمعت مثل هذا الكلام. وقالت رابعة لسفيان: إنما أنت أيام معدودة، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل، وأنت تعلم، فاعمل. انتهى
    قال تعالى: "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله، والذين آمنوا أشد حبالله".
    قالت رحمها الله تعالى:
    أحبك حُبين حب الهوى
    فأما الذي هو حُب الهوى
    وأما الذي أنت أهل له
    فلا الحمدُ في ذا ولا ذاك لي


    وحبا لأنك أهل لذاك
    فشغلي بذكرك عَمّن سواكا
    فكشفك لي الحجب حتى أراكا
    ولكن لله الحمد في ذا وذاك.


    من كتاب: الاستبشار بشرح ما خفي في زنار من لطائف المعاني والأفكار ورقائق الحكم والأسرار
    المسمى: اللطف الخفي في شرح رباعيات الجعفي

















      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 1:40 pm