يكون إذا صفى السالك مرآة باطنه، وصقلها بالذكر والتسليم ومراقبة ظاهره، وتبرأ من حظ نفسه وهواه. فمتى كان ذلك، أشرقت شمس الحقائق عليه، بالحكم والأسرار اللدنية
يأتي الفتح الرباني، إحساسا علويا غامرا، ينتشي له المريد، وتفيض عيناه، ويشعر بالأمن والطمأنينة، ويستقيم سلوكه، وتزيد محبته لله عز وجل، وتتسع رحمته للعالمين أجمعين
وقد يأتي الفتح على شكل إغماء، يرى فيه صاحبه أو يسمع، ما لا مترجم له ولا ناقل، فيستفيق وكأنه مات ثم بعثه الله، وقد زاد يقينه وكملت معرفته
"فلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
والمفتوح عليه في الغالب، يتبدى له الكون، بما ليس عليه، وتلقى إليه المعارف، بما لا طاقة له بحمله، وقد يصرخ أو يجذب، جاريا أو ماشيا أو قافزا، وقد يقوم بحركات لا عهد له بالقيام بها
وقد حكى سيدي عبد العزيز الدباغ، كيف فتح عليه، واقتضت المناسبة إيراده حتى يتضح المقال بالمثال، قال رحمه الله تعالى: فذهبت، فلما بلغت باب الفتوح، دخلتني قشعريرة، ثم رعدة كثيرة، ثم جعل لحمي يتنمل كثيرا، فجعلت أمشي وأنا على ذلك، والحال يتزايد، إلى أن بلغت إلى قبر سيدي يحيى بن علال نفعنا الله به، وهو في طريق سيدي علي بن حرزهم، فاشتد الحال وجعل صدري يضطرب اضطرابا عظيما، حتى كانت ترقوتي تضرب لحيتي، فقلت: هذا هو الموت من غير شك؛ ثم خرج شيء من ذاتي، كأنه بخار الكسكاس، ثم جعلت ذاتي تتطاول حتى صارت أطول من كل طويل؛ ثم جعلت الأشياء تنكشف لي وتظهر كأنها بين يدي، فرأيت جميع القرى والمدن والمداشر، ورأيت كل ما في هذا البر، ورأيت النصرانية ترضع ولدها وهو في حجرها، ورأيت جميع البحور، ورأيت الأرضين السبع وكل ما فيهن من دواب ومخلوقات، ورأيت السماء وكأني فوقها وأنا أنظر ما فيها، وإذا بنور عظيم كالبرق الخاطف الذي يجيء من كل جهة، فجاء ذلك النور من فوقي ومن تحتي وعن يميني وعن شمالي ومن أمامي وخلفي، وأصابني منه برد عظيم، حتى ظننت أني مت، فبادرت ورقدت على وجهي، لئلا أنظر إلى ذلك النور، فلما رقدت رأيت ذاتي كلها عيونا، العين تبصر والرأس يبصر والرجل تبصر، وجميع أعضائي تبصر، ونظرت إلى الثياب التي علي، فوجدتها لا تحجب ذلك
النظر الذي سرى في الذات، فعلمت أن الرقاد على وجهي والقيام على حد سواء. ثم استمر الأمر علي ساعة وانقطع، وصرت بمثابة الحالة الأولى التي كنت عليها أولا، فرجعت إلى المدينة، ولم أقدر على الوصول إلى سيدي علي ابن حرزهم، وخفت على نفسي واشتغلت بالبكاء، ثم عاودني ذلك الحال ساعة ثم انقطع، فجعل يأتيني ساعة وينقطع ساعة أخرى، إلى أن اصطحب مع ذاتي، فصار يغيب ساعة في النهار وساعة في الليل، ثم صار لا يغيب. انتهى
إلا أن الشيخ عندنا، يقول: كيتي مما عرفت ليتني ما عرفتو، أنا فى الغيب اسرفت حتى عدفتو
بمعنى أنه يتبرأ من المغالاة في طلب الغيوب التي ألقيت إليه، فيقول: يا ويلتاه مما عرفت، ليتني ما عرفته، فقد أسرفت في طلب الغيب، بمعنى أنه كان فضوليا، متى حل الليل، وأوى الناس إلى مراقدهم، تطلع في خلوته إلى الملكوت، وعرف ما لا حاجة له في معرفته، مما يأتي ومما سيفوت، ومما أتى من قبل أن يأتي ويفوت، حتى بالغ في ذلك
ويقول: ما حاجتي بمعرفة ما هو آت، حسبي ما وفقت إليه من أذكاري وصلاتي، فما زادني السرى في الليالي، والعروج في الأعالي، بعد أن خرجت عن نفسي، وطفت أترامى في ملكوت الله تعالى من غير قيد ولا حد، ما عدت أحسب ذلك يجديني شيئا، وما عدت أقنع بخطاب الملائكة بعد أن تلقيت خطاب الله تعالى، فصممت عن كل خطاب من غيره؛ كيف أرضى بغير الله تعالى ذي الجلال والإكرام، وقد أعزني وأكرمني بما أوحى إلي، مما ملك علي نفسي وجرى في مهجتي، حتى أشعل نار شوقي وزاد جذبي وجنوني. ولا زلت متولها هائها في محبة مولاي
من كتاب : الاستبشار بشرح ما خفي في زنار من لطائف المعاني والأفكار ورقائق الحكم والأسرار
المسمى: اللطف الخفي في شرح رباعيات الجعفي
للتحيل المرجوا الإتصال بنا
يأتي الفتح الرباني، إحساسا علويا غامرا، ينتشي له المريد، وتفيض عيناه، ويشعر بالأمن والطمأنينة، ويستقيم سلوكه، وتزيد محبته لله عز وجل، وتتسع رحمته للعالمين أجمعين
وقد يأتي الفتح على شكل إغماء، يرى فيه صاحبه أو يسمع، ما لا مترجم له ولا ناقل، فيستفيق وكأنه مات ثم بعثه الله، وقد زاد يقينه وكملت معرفته
"فلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
والمفتوح عليه في الغالب، يتبدى له الكون، بما ليس عليه، وتلقى إليه المعارف، بما لا طاقة له بحمله، وقد يصرخ أو يجذب، جاريا أو ماشيا أو قافزا، وقد يقوم بحركات لا عهد له بالقيام بها
وقد حكى سيدي عبد العزيز الدباغ، كيف فتح عليه، واقتضت المناسبة إيراده حتى يتضح المقال بالمثال، قال رحمه الله تعالى: فذهبت، فلما بلغت باب الفتوح، دخلتني قشعريرة، ثم رعدة كثيرة، ثم جعل لحمي يتنمل كثيرا، فجعلت أمشي وأنا على ذلك، والحال يتزايد، إلى أن بلغت إلى قبر سيدي يحيى بن علال نفعنا الله به، وهو في طريق سيدي علي بن حرزهم، فاشتد الحال وجعل صدري يضطرب اضطرابا عظيما، حتى كانت ترقوتي تضرب لحيتي، فقلت: هذا هو الموت من غير شك؛ ثم خرج شيء من ذاتي، كأنه بخار الكسكاس، ثم جعلت ذاتي تتطاول حتى صارت أطول من كل طويل؛ ثم جعلت الأشياء تنكشف لي وتظهر كأنها بين يدي، فرأيت جميع القرى والمدن والمداشر، ورأيت كل ما في هذا البر، ورأيت النصرانية ترضع ولدها وهو في حجرها، ورأيت جميع البحور، ورأيت الأرضين السبع وكل ما فيهن من دواب ومخلوقات، ورأيت السماء وكأني فوقها وأنا أنظر ما فيها، وإذا بنور عظيم كالبرق الخاطف الذي يجيء من كل جهة، فجاء ذلك النور من فوقي ومن تحتي وعن يميني وعن شمالي ومن أمامي وخلفي، وأصابني منه برد عظيم، حتى ظننت أني مت، فبادرت ورقدت على وجهي، لئلا أنظر إلى ذلك النور، فلما رقدت رأيت ذاتي كلها عيونا، العين تبصر والرأس يبصر والرجل تبصر، وجميع أعضائي تبصر، ونظرت إلى الثياب التي علي، فوجدتها لا تحجب ذلك
النظر الذي سرى في الذات، فعلمت أن الرقاد على وجهي والقيام على حد سواء. ثم استمر الأمر علي ساعة وانقطع، وصرت بمثابة الحالة الأولى التي كنت عليها أولا، فرجعت إلى المدينة، ولم أقدر على الوصول إلى سيدي علي ابن حرزهم، وخفت على نفسي واشتغلت بالبكاء، ثم عاودني ذلك الحال ساعة ثم انقطع، فجعل يأتيني ساعة وينقطع ساعة أخرى، إلى أن اصطحب مع ذاتي، فصار يغيب ساعة في النهار وساعة في الليل، ثم صار لا يغيب. انتهى
إلا أن الشيخ عندنا، يقول: كيتي مما عرفت ليتني ما عرفتو، أنا فى الغيب اسرفت حتى عدفتو
بمعنى أنه يتبرأ من المغالاة في طلب الغيوب التي ألقيت إليه، فيقول: يا ويلتاه مما عرفت، ليتني ما عرفته، فقد أسرفت في طلب الغيب، بمعنى أنه كان فضوليا، متى حل الليل، وأوى الناس إلى مراقدهم، تطلع في خلوته إلى الملكوت، وعرف ما لا حاجة له في معرفته، مما يأتي ومما سيفوت، ومما أتى من قبل أن يأتي ويفوت، حتى بالغ في ذلك
ويقول: ما حاجتي بمعرفة ما هو آت، حسبي ما وفقت إليه من أذكاري وصلاتي، فما زادني السرى في الليالي، والعروج في الأعالي، بعد أن خرجت عن نفسي، وطفت أترامى في ملكوت الله تعالى من غير قيد ولا حد، ما عدت أحسب ذلك يجديني شيئا، وما عدت أقنع بخطاب الملائكة بعد أن تلقيت خطاب الله تعالى، فصممت عن كل خطاب من غيره؛ كيف أرضى بغير الله تعالى ذي الجلال والإكرام، وقد أعزني وأكرمني بما أوحى إلي، مما ملك علي نفسي وجرى في مهجتي، حتى أشعل نار شوقي وزاد جذبي وجنوني. ولا زلت متولها هائها في محبة مولاي
من كتاب : الاستبشار بشرح ما خفي في زنار من لطائف المعاني والأفكار ورقائق الحكم والأسرار
المسمى: اللطف الخفي في شرح رباعيات الجعفي
للتحيل المرجوا الإتصال بنا